أتنازل اليوم عن المساحة المخصصة لي لعمي الكاتب الكولومبي الكبير «ماركيز» الصحفي الروائي الصعلوك حاصد نوبل في الآداب، وأن الكولومبيين بعد نوبل طالبوا به رئيساً للبلاد واختطفوا شقيق رئيس الجمهورية واشترطوا لإطلاق سراحه أن يصبح «ماركيز» الرئيس، «ماركيز» لم يطلب منهم ضمانات ولم يقل لهم: والنبي كتفوا الراجل كويس أحسن يهرب، ولكنه اعتذر لهم بلباقة لأنها مش شغلانته وطالبهم بإطلاق سراح الرجل)، المهم..يرقد «ماركيز» هذه الأيام في فراش المرض منهكاً يستشعر صعوبة الحصول علي فرصة جديدة في الحياة، ووجَّه من فراش المرض رسالته الأخيرة (كرسالة وداع إلي أصدقائه ومحبيه) من بعد اعتزاله الحياة العامة.
الرسالة قطعة أدبية روحانية رائعة ....................
كتب ماركيز يقول: «لو شاء الله.. أن يهبني شيئاً من حياة أخري فسوف أستثمرها بكل قواي. ربما لن أقول كل ما أفكر به لكنني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله. سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سأسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكل نيام.. لو شاء ربي أن يهبني حياة أخري، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي علي الأرض، لا عاري الجسد فحسب، وإنما عاري الروح أيضاً. سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متي شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق».
وتابع يقول: «للطفل سأعطي الأجنحة، لكني سأدعه يتعلم التحليق وحده، وللكهول سأعلمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان، لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر.. تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين أن سر السعادة يكمن في تسلقه. تعلمت أن المولود الجديد حين يشد علي إصبع أبيه للمرة الأولي فذلك يعني أنه أمسك به إلي الأبد. تعلمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلي الآخر، فقط حين يجب أن يساعده علي الوقوف، تعلمت منكم أشياء كثيرة! لكن قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضع في حقيبتي أكون أودع الحياة. قل دائماً ما تشعر به وافعل ما تفكر فيه... لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراك فيها لقلت «أحبك»، ولتجاهلت - بخجل - أنك تعرفين ذلك».
«ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي تري فيها أولئك الذين تحبهم، أهمس في أذنهم بأنك بحاجة إليهم، أحببهم واهتم بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقل لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفها. لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الله دائماً القوة والحكمة للتعبير عنها».
(من أعمال «ماركيز» التي أرشحها لك..(سرد أحداث موت معلن)،(الحب في زمن الكوليرا)، (مائة عام من العزلة)، وأرشح لك هذه الروايات بترجمة السوري صالح علماني تحديداً).