ليس منكم من لم يختبر نعمة الحب (فما في غصن ما هزو الهوا) على ما يقال؛ ونسميها نعمة؛ لأن ما من شيء يخدر آلام النفس والحياة كالعاطفة التي تترقرق بين أعطاف المحبين؛ وإن كانت وهماً خالصا. وقد يكون الحب الأول هو أكثر أنواع الحب صيتاً؛ فما من حب مجده الشعراء والأدباء كالحب الأول الذي قال فيه إحسان عبد القدوس ‘’فى حياة كل منا وهم جميل يسمى: الحب الأول. لاتصدق يا صديقي.. فإن حبك الأول هو حبك الأخير!! ‘’ تصديقا لما قاله الشاعر الذي قال:
نَقِّل فؤادك حيث شئتَ من الهوى.. ما الحُبُّ إلاَّ للحبيب الأولِ..
فهل للقلب خفقة واحدة في حياته كما يقال تتساوى بعدها كل الخفقات ؟! وهل الحب الأول فعلاً وشم في الروح لا تمحوه الأيام ولا السنون؛ أم أنه وهم طفولي تتعاظم قيمته لمجرد أنه أول طارق على باب القلب وأول غطسة في بحر الخيال وأول خطوة عبور من الطفولة للصبا ؟!
وإن كان وهماً حقاً؛ فلماذا تختزنه الذاكرة في مكان القلب من الصدر فيما تلفظ غيره كالنوى؛ ولماذا تطارد ذكراه الكثير ممن يصرفون العمر في رحلة بحث عبثية لاستنساخ عذب احاسيسه ؛ ولم تختزله الذاكرة كملجأ تأوي إليه في ساحات الضجر واليأس والخوف ؟!
إن سألتموني سأقول إن الحب الأول ؛ ككل ما تربطه الذاكرة بأيام الصبا؛ مبالغ في تقديره.. فالحب ليس بطلقة واحدة يطلقها القلب ويصفن.. فما دام القلب يزخر بالنبض فهو قادر على الحب مرة تلو مرة.. نعم للبدايات سحرها الذي لا يتكرر؛ وللحب الأول - بعفته وبراءته والأحلام الكبيرة التي تسيجه- يحفر مكانته الخالدة في النفس؛ بيد أن ذلك لا يحوله إلى حب حقيقي.. فالحب ائتلاف روحين وتواؤم فكرين.. وعندما تدق ساعة الحب الأول غالباً ما تكون شخصيات أبطاله غضة لم تتبلور في شكلها النهائي بعد؛ لذا فإنه يكون سهلاً لا تعقيدات فيه ولا حسابات؛ ممكن الوقوع بين أي شخصين في مكان ما وظرف ما.. وهو ما قد لا يتأتى للإنسان في نضجه عندما يغالب عقله عاطفته.. عندها يتحول الحب إلى عملية معقدة يتحكم فيها الوعي واللاوعي في صراع.. قلما ينتهي بالتعادل ..
نقول مطمئنين من أسر خياله في علاقات اندثرت أن في الحب؛ ليس هناك حب أول ولا حب أخير.. هناك قلب عاجز عن الحب وهناك قلب قادر عليه ومتوثب له. في العشق ليست هناك تراتيب؛ فمكانة التجربة تكون في تفاصيلها وتماثلاتها وما تورثه في القلب من رضا وفي الحياة من بهجة. ولعل الحب الأخير يكون هو الحب الخالد الذي تتجمع فيه كل أركان السعادة فيكون الأول في مكانته والآخر في مكانه.
رحيق الكلام :
لا تقل كان حبك الأول وحبك الأخير ..ولكن قل لقد كان زمنا جميلا مثيراً؛ لا تأسف على حب مضى ولا على حبيب هجر؛ ولكن اندم على عمر مضى بدون أن تعشق وتهوى.